كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أنا قدمنا خلاف العلماء في الهدي الذي على المفسد حجه بالجماع، وذكرنا أنه عند مالك والشافعي وأحمد: بدنة، وهو قول جماعات من الصحابة وغيرهم منهم ابن عباس، وطاوس، ومجاهد الثوري، وأبو ثور، وإسحاق، وغيرهم. ولم نتكلم على ما يلزمه إن عجز عن البدنة، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، فذهب بعضهم إلى أنه إن عجز عن البدنة كفته شاة، وممن قال به الثوري، وإسحاق، وذهب بعضهم: إلى أنه إن لم يجد بدنة فبقرة، فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم، فإن لم يجد أخرج بقيمة البدنة طعامًا، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما، وهذا هو مذهب الشافعي، وبه قال جماعة من أهل العلم. وعن أحمد رواية: أنه مخير بين هذه الخمسة المذكورة.
واعلم أن المفسد حجه بالجماع إذا قضاه على الوجه الذي أحرم به في حجه الفاسد، كأن يكون في حجه الفاسد مفرداص ويقضيه مفردًا أو قارنًا، ويقضيه قارنًا فلا إشكال في ذلك وكذلك إن كان مفردًا في الحج الذي أفسده وقضاه قارنًا فلا إشكان لأنه جاء بقضاء الحج مع زيادة العمرة، وأما إذا كان قارنًا في الحج الذي أفسده ثم قضاه مفردًا، فالظاهر أن الدم اللازم له بسبب القران لا يسقط عنه بإفراده في القضاء، خلافًا لمن زعم ذلك.
وقال النووي في شرح المهذب: إذا وطئ القارن، فسد حجه وعمرته، ولزمه المضي في فاسدهما، وتلزمه بدنة للوطء، وشاة بسبب القران، فإذا قضى لزمته أيضًا شاة أخرى، سواء قضى قارنًا، أم مفردًا لأنه توجه عليه القضاء قارنًا، فإذا قضى مفردًا لا يسقط عنه دم القران. قال العبدري: وبهذا كله قال مالك، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إن وطئ قبل طواف العمرة، فسد حجه وعمرته، ولزمه المضي في فاسدهما والقضاء، وعليه شاتان: شاة لإفساد الحج، وشاة لإفساد العمرة ويسقط عنه دم القران، فإن وطئ بعد طواف العمرة فسد حجه، وعليه قضاؤه وذبح شاة، ولا تفسد عمرته فتلزمه بدنة بسببها، ويسقط عنه دم القران.
قال ابن المنذر، وممن قال يلزمه هدي واحد: عطاء وابن جريج ومالك والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور. وقال الحكم: يلزمه هديان. اهـ. من شرح المهذب.
وقد قدمنا أن الأظهر عندنا: أن الزوجين المفسدين حجهما بالجماع تلزم كل واحد منهما بدنة، إن كانت مطاوعة له، وهو مذهب مالك. وبه قال النخعي، وهو أحد القولين للشافعي.
قال النووي: قال ابن المنذر: وأوجب ابن عباس، وابن المسيب والضحاك والحكم، وحماد، والثوري، وأبو ثر على كل واحد منهما هديا، وقال النخعي ومالك: على كل واحد منهما بدنة.
وقال أصحاب الرأي: إن كان قبل عرفة، فعلى كل واحد منهما شاة، وعن أحمد روايتان:
إحداهما: يجزئهما هدي واحد.
والثانية: على كل واحد منهما هدي، وقال عطاء وإسحاق: لزمهما هدي واحد.
الفرع العاشر: إذا جامع المحرم بعمرة قبل طوافه: فسدت عمرته إجماعًا، وعليه المضي في فاسدها والقضاء والهدي، فإن كان جماعه بعد الطواف، وقبل السعي فعمرته فاسدة أيضًا عند الشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وهو مذهب مالك فعليه إتمامها، والقضاء والدم، وقال عطاء: عليه شاة، ولم يذكر القضاء. وقال أبو حنيفة: إن جامع المعتمر بعد أن طاف بالبيت أربعة أشواط لم تفسد عمرته، وعليه دم، وإن طاف ثلاثة أشواط، فسدت، وعليه إتمامها والقضاء ودم، وأما إن كان جماعة بعد الطواف والسعي، ولَكِنه قبل الحلق، فلم يقل بفساد عمرته إلا الشافعي.
قال ابن المنذر: ولا أحفظ هذا عن غير الشافعي. وقال ابن عباس، والثوري، وأبو حنيفة: عليه دم وقال مالك: عليه الهدي، وعن عطاء: أنه يستغفر الله، ولا شيء عليه، قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلا. انتهى بواسطة نقل النووي.
وأظهر قولي أهل العلم عندي: أن المحرمة التي أكرهها زوجها على الوطء حتى أفسد حجها أو عمرتها بذلك، أن جميع التكاليف اللازمة لها بسبب حجة القضاء من نفقات سفرها في الحج، كالزاد والراحلة والهدي اللازم لها كله على الزوج، لأنه هو الذي تسبب لها في ذلك وإن كانت بانت منه، ونكحت غيره، وأنه إن كان عاجزًا لفقره صرفت ذلك من مالها، ثم رجعت عليه بذلك، إن أيسر، وهذا مذهب مالك وأصحابه وعطاء، ومن وافقهم، خلافًا لمن قال: إن جميع تكاليف حجة القضاء في مالها لا في مال الزوج، وهو قول بعض أهل العلم.
قال الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبي في حاشيته، على تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق في الفقه الحنفي ما نصه: قال في شرح الطحاوي: أما المرأة إذا كانت نائمة، أو جامعها صبي أو مجنون، فذلك كله سواء، ولا ترجع المرأة من ذلك بما لزمها عَلَى المكره، لأن ذلك شيء لزمها فيما بينها، وبين الله غير مجبور عليها كرجل أكره على النذر، فإنه يلزمه، فإذا أدى ما لزمه، فإنه لا يرجع على المكره، كذلك هنا انتهى إتقاني رحمه الله تعالى. انتهى كلام الشلبي في حاشيته.
وقال في موضع آخر من حاشيته المذكورة: ثم إذا كانت مكرهة حتى فسد حجها ولزمها دم، هل ترجع على الزوج، عن أبي شجاع: لا، وعن القاضي أبي حازم: نعم. اهـ.
وقد ذكرنا أن الأظهر عندنا لزوم ذلك لزوجها الذي أكرهها، ووجهه ظاهر جدًّا، لأن سببه هو جنايته بالجماع، الذي لا يجوز له شرعًا، ومن تسبب في غرامة إنسان بفعل حرام، فإلزامه تلك الغرامة لا شك في ظهور وجهه، والعلم عند الله تعالى.
وقال ابن قدامة في المغني: في مذهب أحمد في هذه المسألة: ما نصه: وإذا كانت المرأة مكرهة على الجماع، فلا هدي عليها، ولا على الرجل أن يهدي عنها نص عليه أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة، فلم يجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام، وهذا قول إسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر.
وعن أحمد رواية أخرى: أن عليه أن يهدي عنها، وهو قول عطاء، ومالك، لأن إفساد الحج وجد منه في حقها، فكان عليه لإفساده حجها هدي قياسًا على حجه، وعنه ما يدل على أن الهدي عليها، لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها، ويحتمل أنه أراد أن الهدي عليها، ويتحمله الزوج عنها، فلا يكون رواية ثالثة. انتهى منه.
وفي مذهب الشافعي في هذه المسألة وجهان، الأصح منهما عند أصحاب الشافعي: وجوب ذلك على الزوج كما بينه النووي في شرح المهذب. أمّا إن كانت مطاوعة له، فالأظهر أن على كل واحد منهما تكاليف حجة القضاء، وكل ما سببه الوطء المذكور لأنهما سواء فيه، ولا ينبغي العدول عن ذلك.
الفرع الحادي عشر: اعلم أنا قدمنا أن من أفسد حجه أو عمرته، لزمه القضاء، وقد بينا أن الصحيح وجوبه على الفور لا على التراخي، وسواء في ذلك كان الحج والعمرة فرضًا أو نفلًا، لأن النفل منهما يصير فرضًا بالشروع فيه، وقد أردنا أن نبين في هذا الفرع أنه لو أحرم بالقضاء، فأفسده أيضًا بالجماع، لزمته الكفارة ولزمه قضاء واحد، ولو تكرر ذلك منه مائة مرة، ويقع القضاء عن الحج الأول أي الذي أفسده أولًا، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثاني عشر: قد قدَّمنا أن مما يمنع بسبب الإحرام، حلق شعر الرأس لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فإن حلق شعر رأسه لأجل مرض، أو أذى ككثرة القمل في راسه، فقد نص تعالى على ما يلزمه بقوله: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
وهذه الآية الكريمة نزلت في كعب بن عجرة رضي الله عنه، والتحقيق الذي لا شك فيه: أن الثلاثة المذكورة في الآية على سبيل التخيير بينها لأن لفظة أو في قوله: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] حرف تخيير، والتحقيق أن الصيام المذكور ثلاثة أيام، وأن الصدقة المذكورة ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وما سوى هذا فهو خلاف التحقيق.
وقد روى الشيخان في صحيحيهما، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: «ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا. فنزلت الآية: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قال: هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعامًا لكل مسكين». وفي رواية «أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال: كأن هوام رأسك تؤذيك؟ فقلت: أجل. قال: فاحلقه، واذبح شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين» رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، ولأبي داود في رواية «فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، فرقًا من زبيب، أو انسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت» وفي رواية عند البخاري، عن كعب بن عجرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك آذاك هوامك؟ قال: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة» وفي رواية عند البخاري أيضًا، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال «وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ورأسي يتهافت قملًا فقال: يؤذيك هوامُّك؟ قلت: نعم. قال: فاحْلِقْ رأسك، أو احلق قال: فيَّ نزلت هذه الآية: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} [البقرة: 196] إلى آخرها فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفرق بين ستة، أو انسك بما تيسر» وفي رواية عند البخاري أيضًا «فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يُطْعِمَ فَرَقًا بين ستة أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام» وبعض هذه الروايات في صحيح مسلم وفيه غيرها بمعناها. والفَرق ثلاثة آصع.
فهذه النصوص الصحيحة الصريحة: مبينة غاية البيان آية الفدية، موضحة: أن الصيام المذكور في الآية ثلاثة أيام، وأن الصدقة فيها ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك فيها ما تيسر شاة فما فوقها، وأن ذلك على سبيل التخيير بين الثلاثة، كما هو نص الآية، والأحاديث المذكورة، وهذا لا ينبغي العدول عنه، لدلالة القران، والسنة الصحيحة عليه، وهو قول جماهير العلماء.
وبه تعلم أن قول الحسن والثوري وعكرمة ونافع: أن الصيام عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين، خلاف الصواب لما ذكرنا، وإنما يقول أصحاب الرأي: من أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة لكل مسكين، وأما غير البر كالتمر والشعير مثلًا، فلابد من صاع كامل لكل مسكين، خلاف الصواب أيضًا لمخالفته للروايات الصحيحة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها آنفًا، وأن ما رواه الطبري وغيره، عن سعيد بن جبير: من أن الواجب أولًا النسك، فإن لم يجد نسكًا، فهو مخير بين الصوم والصدقة، خلاف الصواب أيضًا، للأدلة التي ذكرناها، وهي واضحة صريحة في التخيير.
ومن أصرحها في التخيير ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له «إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين».اهـ. فصراحة هذا في التخيير بين الثلاثة كما ترى وما رواه مالك في موطئه، عن عبدالكريم بن مالك الجرزي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمًا، فآذاه القمل في رأسه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه، وقال: «صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ، لكل إنسان أو انسك بشاة. أيَّ ذلك فعلت أجزأ عنك». اهـ. من الموطأ.
وقوله «أيَّ ذلك فعلت أجزأ عنك» صريح في التخيير كما ترى، مع أن الآية الكريمة، والروايات الثابتة في الصحيحين نصوص صريحة في ذلك لصراحة لفظه، أو في التخيير والعلم عند الله تعالى.
وهذا الذي بينا حكمه الآن: هو حلق جميع شعر الرأس أما حلق بعض شعر الرأس، أو شعر باقي الجسد غير الرأس، فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله. واعلم أن ما جاء في بعض الروايات أن النسك المذكور في آية البقرة، يجاب عنه من وجهين، وسنذكر هنا إن شاء الله بعض الروايات الواردة بذلك، والجواب عنها.
قال أبو داود في سننه: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن نافع: أن رجلًا من الأنصار أخبره عن كعب بن عجرة، وكان قد أصابه في رأسه أذى، فحلق فأمره النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي هديا بقرة. اهـ منه.
وقال ابن حجر في الفتح: بعد أن أشار لحديث أبي داود: هذا وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت، عن نافع عن ابن عمر قال: حلق كعب بن عجرة رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدي فافتدى ببقرة.
ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر قال: افتدى كعب من أذى كان في رأسه، فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها.
ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع عن سليمان بن يسار قيل لابن كعب بن عجرة: ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه؟ قال: ذبح بقرة. انتهى من الفتح. ثم قال: فهذه الطرق كلها تدور على نافع.
وقد اختلف عليه في الواسطة التي بينه وبين كعب، وقد عارضها ما هو أصح منها، من أن الذي أمر به كعب وفعله إنما هو شاة.
وروى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طريق المقبري، عن أبي هريرة: أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه، وهذا أصوب من الذي قبله، واعتمد ابن بطال على رواية نافع، عن سليمان بن يسار فقال: أخذ كعب بأرفع الكفارات، ولم يخالف النَّبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره به من ذبح الشاة، بل وافقه، وزاد ففيه: أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها، كما فعل كعب.
قلت: هو فرع ثبوت الحديث ولم يثبت لما قدمته. والله أعلم. انتهى كلام ابن حجر.
وقد علمت منه الروايات المقضية: أن النسك في آية الفدية المذكورة بقرة، وأن الجواب عنها من وجهين:
الأول: عدم ثبوت الروايات الواردة بالبقرة، ومعارضتها بما هو صحيح ثابت من أن النسك المذكور في الآية شاة كما قدمناه.
والجواب الثاني: أنا لو فرضنا أن تلك الروايات ثابتة، فهي لا تعارض الروايات الصحيحة الدالة، على أن النسك المذكور: شاة، وذلك بأن اللازم هو الشاة، والتطوع بالبقرة تطوع بأكثر من اللازم. ولا مانع من التطوع بأكثر مما يلزم، والعلم عند الله تعالى.
وهذا الذي ذكرنا حكمه: هو حلق الرأس لعذر كمرض، أو أذى في الرأس ككثرة القمل فيه، كما هو موضوع آية الفدية، والأحاديث التي ذكرنا.
أما إن حلق رأسه قبل وقت الحلق لغير عذر من مرض، أو أذى من رأسه، فقد اختلف أهل العلم فيما يلزمه، فذهب مالك والشافعي وهو ظاهر مذهب أحمد: إلى أن الفدية في العمد بلا عذر، حكمها حكم الفدية لعذر المرض، أو الأذى في الرأس، ولا فرق بين المعذور وغيره، إلا في الإثم، فإن المعذور تلزمه الفدية، ولا إثم عليه ومن لا عذر له تلزمه الفدية المذكورة مع الإثم، وهو مروي عن الثوري.
وعند الحنابلة وجه: أنه لا فدية على من حلق ناسيا إحرامه، وهو قول إسحاق، وابن المنذر، واحتجوا بالأدلة الدالة على العذر بالنسيان.